حمادة عبدالسلام
مدير وحدة التقييم والتشخيص واستشاري صعوبات تعلم
المؤسسة البحرينية للتربية الخاصة
تمهيد:
عندما أستمع لأحد الناطقين باللغة الهندية فإنني أسمع تياراً مستمراً أو مجرى متصلاً من الكلام لا حدود فيه بين كلمة وأخرى، ولا قدرة لي على تعرف عدد الكلمات في الجملة الواردة في كلامه لو توقف عندها. وكذلك لا أستطيع أن أميز أو أفصل بين أصوات الكلام داخل كل كلمة لو تحدث ببطء، أي كلمة كلمة. لماذا لا أستطيع ذلك؟
يجيب المختصون في علم الصوت بأنني أفتقد للوعي الصوتي على اللغة الهندية... أي ليس لدي فهم لبنية اللغة الهندية الشفوية أو المنطوقة. ففهمها يقتضي أن أعرف أن هذه اللغة الشفوية مكونة من كلمات، والكلمات مؤلفة من مقاطع وأصوات وتنغيمات أو قوافي.
وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لمن يستمع إلى لغة غير لغته الأم، فهل ينطبق ذلك على أبناء اللغة الأم؟ وما تأثير ذلك على تعلم القراءة والتهجئة الإملائية؟
إن الإجابة على هذين السؤالين تتطلب إدراكاً لمفهوم الوعي الصوتي، وتطوره في مرحلة ما قبل المدرسة وبعدها، وكذلك تعرف مهاراته ومكوناته ودوره في تعلم القراءة والإملاء. وهذا ما ستحاول هذه المقالة إلقاء الضوء عليه في الصفحات القادمة.
وإذا كان الوعي الصوتي مهماً لجميع الطلبة، فإنه أكثر أهمية بالنسبة للأطفال الذين يعانون من عسر قرائي (صعوبات قرائية محددة- دسلكسيا)، إذ أثبتت الدراسات والأبحاث أنه مقدمة أساسية وضرورية لتعلم القراءة والكتابة. ويرى كثير من المختصين أن الوعي الصوتي من أكثر المتنبئات صدقاً في نجاح الطفل في تعلم القراءة عند التحاقه بالصف الأول الابتدائي.
الوعي الصوتي:
الوعي الصوتي هو حساسية الفرد للبنية الصوتية للكلمات في لغته الأم أو وعيه الواضح عليها.. وهو أحد مظاهر اللغة الشفوية الذي يجعل الطفل قادراً على تجزئة الجملة الشفوية إلى كلمات، والكلمات إلى مقاطع، والمقاطع إلى أصوات. كما أنه يرتبط بقدرة الطفل على التفكير في الأصوات داخل الكلمة بدلاً من التفكير في معنى الكلمة فقط.
ولتوضيح هذا المفهوم لنأخذ المثال التالي:
سأل طفل أباه: أين أخي الأصغر؟ أجاب الوالد: أخوك يلعب في الحديقة.
يمكن لدماغ الطفل الذي لديه مستوى جيد من الوعي الصوتي أن يفصل بين الكلمات التي وردت في إجابة الوالد. وإذا سألته عن عددها فسيقول إنها أربع كلمات هي:
أخوك/ يلعب/ في/ الحديقة/ كما يستطيع أن يحلل كلمة (أخوك) إلى ثلاثة مقاطع، هي:
أَ/، خو/، كَ. وإذا طلب منه فصل أصوات كلمة (أخوك) سيقوم بفصلها على النحو التالي: أ/ خ/ و/ ك... علماً بأن هذا التقسيم أو التحليل يتم بصورة شفوية.
تطور الوعي الصوتي:
إن كثيرا من الأطفال يظهرون وعياً صوتياً، أولياً، في مرحلة ما قبل المدرسة، حيث يبدؤون بإدراك الكلمات ككينونات منفصلة عن بعضها، ويصبحون واعين على الطريقة التي تعمل بها مجموعات الأصوات (المقاطع أو القوافي) في اللغة الشفوية أو المنطوقة، كما يطورون وعياً على الأصوات الفردية داخل الكلمة... وهذه الأصوات الفردية تعرف بالفونيمات... والفونيم هو أصغر الوحدات الصوتية التي تؤدي إلى تغيير في المعنى.. فمثلاً لو استبدلنا الصوت الأول في كلمة صالح بالصوت (م) لأصبحت الكلمة (مالح) وبذا غير الفونيم (الصوت) معناها.
إلا أن هناك مجموعة من الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة يلتحقون بالصف الأول بمستوى منخفض من الوعي الصوتي مما يؤثر سلباً على تعلمهم القراءة والإملاء. وبذا يحتاج هؤلاء الطلبة إلى تدخل مبكر قائم على برنامج تدريبي على الوعي الصوتي لزيادة وعيهم على الكلمات، والمقاطع داخل الكلمة، وعلى الأصوات ضمن الكلمة التي تتشكل منها هذه الأصوات. وللروضة والبيت دور مهم في إيقاظ الوعي الصوتي لدى الأطفال من خلال الأناشيد، وإعطاء كلمات مشابهة إيقاعياً لكلمات أخرى، وتقطيع الكلمات إلى مقاطعها أو تركيب مقاطع لتكوين كلمات قبل أن يبدأ الأطفال تعلم القراءة والكتابة.
يتوقع من الطفل بعد إكماله صفي الروضة (KG1& KG2) أن يكون قادراً على أن:
- يتعرف عدد الكلمات في الجملة.
- يجزئ ويمزج كلمات مؤلفة من ثلاثة مقاطع على الأقل.
- يدرك مفهوم القافية (التنغيم) في الأغاني والأناشيد.
- يتعرف ويولد كلمات مقفاة.
- يفصل أصوات البداية أو النهاية في الكلمات وينطق ما يتبقى من الكلمة.
- يجزئ ويمزج الأصوات في كلمة مؤلفة من ثلاثة أصوات.
- يستبدل صوتاً في كلمة بصوت آخر لينتج كلمة جديدة.
دور الوعي الصوتي في القراءة والكتابة:
للطلبة ذوي الوعي الصوتي الجيد بنية تحتية أساسية للقراءة، من حيث تحليل الرموز (decoding)، والكتابة، من حيث الترميز (encoding)، عندما يتعلمون المطابقة بين الحرف والصوت. أما الطلبة الذين لديهم صعوبة في هذا الجانب من اللغة الشفوية، والذين تقدر نسبتهم بـ (20%) فإنهم يعانون كثيراً، بل يتعثرون خلال دراستهم لعجزهم عن اكتشاف عمل الأصوات في اللغة الشفوية.
والطلبة الذين لديهم مستوى عال من الوعي الصوتي هم قادرون على توظيف وعيهم الصوتي في قراءة الكلمات غير المألوفة لهم، حيث يبحثون عن "أنماط الحروف" letter patterns كإستراتيجية عندما يحاولون أن يفككوا أو يتهجأوا كلمات غير مألوفة.
ويرى بعض المختصين في الوعي الصوتي ضرورة تشجيع الطلبة على استخدام "الإملاء المستنبط" أو المؤقت. فعندما يحاول الطالب أن يكتب كلمة ما، عليه أن يصغي للكلمة الشفوية، ثم يقوم بتجزئتها إلى أصواتها المكونة لها، وبعدئذ يطابق الأصوات مع الحروف التي تمثلها. وإن قدرة الطالب على البحث داخل الكلمة عن مقاطع وأصوات فردية عند القراءة والإملاء قائمة على ما لديه من الوعي الصوتي. إذ عليه أن يكون قادراً على تجزئة الكلمات إلى مقاطع، وتجزئة الكلمة والمقاطع إلى الأصوات الفردية المكونة لهما حتى يكون ناجحاً في استعمال معرفة الصوت والحروف letter- sound knowledge بفاعلية في القراءة والكتابة.
تدريب الوعي الصوتي:
يتضمن برنامج تدريب الوعي الصوتي لدى الطلاب ثلاثة مستويات هي : زيادة الوعي على الكلمة، وزيادة الوعي على المقاطع، وزيادة الوعي على الصوت.
وتصنف النشاطات التي توجه لتدريب كل مستوى إلى نوعين:
أ. نشاطات الاستماع: ينبغي تضمين نشاطات الاستماع كل مستوى من المستويات الثلاثة لتوجيه انتباه الطالب إلى بنية الصوت في اللغة.
ب. نشاطات ضبط الكلمات والمقاطع والأصوات: وهذه يجب أن تتخلل كلاً من المستويات الثلاثة لزيادة قدرة الطالب على ضبط أصوات اللغة وبالتالي زيادة الوعي الصوتي لديه.
أولاً: زيادة الوعي الصوتي على الكلمة، تقسيم الجمل إلى كلمات:
فيما يلي جملة من النشاطات والوسائل التي يمكن لها تحقيق أهداف الوعي الصوتي في هذا المستوى:
أ. النشاطات السمعية لزيادة الوعي على الكلمة:
1. القراءة بصوت مرتفع 2. سرد القصص 3. الأناشيد 4. إجابة الأسئلة 5. اللعب بالكلمة.
ب. ضبط الكلمات في الجمل:
1. تشخيص الكلمات والجمل. 2. تفسير الكلمات والجمل. 3. حذف الكلمات
- عد الكلمات المسموعة أو المقروءة. 5. إعادة رتيب الكلمات لتكوين جمل.
ثانياً: زيادة الوعي على المقاطع، تجزئة الكلمات إلى مقاطع:
أ. النشاطات السمعية لزيادة الوعي على المقاطع:
من النشاطات في هذا المجال:
- القراءة الجهرية 2. سرد القصص 3. تأكيد المقاطع في الأشعار والمقطوعات 4. تعرف المقطع المحذوف
ب. ضبط المقاطع في الكلمات: ومن النشاطات في هذا المجال:
1. عدد المقاطع 2. حذف مقطع 3. إبدال مقطع 4. معاكسة المقاطع في الكلمات المركبة 5. معاكسة المقاطع في الكلمات ذات المقطعين.
ثالثاً: زيادة الوعي على الصوت، تقسيم المقاطع إلى أصوات:
أ. نشاطات الاستماع لزيادة الوعي على الصوت: من النشاطات في هذا المجال:
- القراءة الجهرية لنصوص تؤكد أصواتاً محددة (الجناس والسجع).
- سرد القصص التي تبرز أصواتاً معينة.
- الإمطار السمعي لأصوات معينة (عدة كلمات تبدأ بنفس الصوت)
ب. ضبط الأصوات في المقاطع: من النشاطات في هذا الحقل:
- التلاعب بالصوت الأول في الكلمات (طاولة f جاولة).
- التلاعب بالصوت الخير في الكلمة (كاتب f كاتم).
- إنتاج كلمة بوزن أخرى (مال f طال).
- تعرف الصوت الأول (جمع، جرح، جرد).
- عد الأصوات في الكلمة.
- إبدال الأصوات وسط الكلمات (روى f م f رمى).
- الربط بين الأصوات والحروف.
|